$20.00
الوصف
رغم أنه، قد يظهر أفرادٌ نوابغ، بصورة استثنائية نادرة، إلا أن الأصل، في العبقرية، أنها ليست خاصيَّة فطرية، وإنما هي، حتى في أعلى ذراها؛ ماهي إلا نتاج الاهتمام التلقائي القوي المستغرق. فكل إنسانٍ، إذا وُلِد سَليمًا، فإن قابلياته تكون متهيئةً لاكتساب العبقرية، بشرط أن تصادفه ظروفٌ، تُشْعِل فيه شغفًا متجدِّدًا، لا يَفتر، واهتمامًا، تلقائيًّا، قويًّا، لا يتوقف. إن سِيَر العباقرة تؤكد أن العبقرية، مشروطةٌ بالاهتمام التلقائي القوي المستغرق، الذي يبلغ حدَّ الهوس والاستغراق الكلي الدائم. حتى آينشتاين لم تكن عبقريته الخارقة إلا في مجال الفيزياء والرياضيات، حيث كان مندفعا للاستقصاء والتأمُّل بشغفٍ عميقٍ متجدِّد، واهتمام تلقائي قوي مستغرق. حتى إنه وصف نفسه بأنه مهووس. لذلك لن يعطي التعليمُ الثمارَ التي تتناسب مع ما يُبذل فيه من الأعمار، والأموال، والطاقات، إلا إذا تم التوصُّل إلى طريقة ناجعةٍ تضمن إشغال شغف الدارسين، وإيقاد اهتمامهم. أما إذا استمر التعلُّم قسرًا أو اضطرارًا، فإنه النتائج ستبقى ضعيفة، لأنه يكون مضادًّا لطبيعة الإنسان التلقائية. إن القابليات الإنسانية، هي قابليات عظيمة. ولكن لم يتم العثور على طريقة لإشعال الشغف وفتح القابليات، ما جعل العبقرية محصورة بعدد قليل من الأفراد، إن الحضارة بكل تجلياتها العظيمة، ما هي إلا تطبيقات الومضات العبقرية الفردية، التي كانت من ثمار الاهتمام التلقائي القوي المستغرق. إن تاريخ الحضارة يؤكد الحقائق التالية:
- أن التطورات الحضارية المتحققة في كل المجالات قد تمخَّضَتْ عنها عقولُ عدد محدود جدا من الرواد الخارقين الذين تحرَّكوا عكس التيارات السائدة خلال التاريخ البشري كله. وكلهم لو اجتمعوا لن يتجاوز عددُهم عدَدَ ركَّاب طائرة كبيرة أو عدد ركاب قطار كبير إنهم يمثلون نشازًا في الكثرة الهائلة من البشرية العمياء.
- أن الأفكار الريادية الخارقة في كل مراحل التاريخ قد جاءت كومضات خاطفة وسط ظلمات حالكة وكلها من دون أي استثناء قد قوبلتْ بالرفض والمقاومة وهو رفضٌ قد يمتد قرونا كما هي حالة اكتشاف أن الأرض ليست مركز الكون فقد بقي هذا الاكتشاف مطمورًا أكثر من ثمانية عشر قرنًا حتى أعاد الاكتشاف كوبرنيكوس.
- العقلانية حتى في أشد المجتمعات ازدهارًا هي عقلانية نُظُم وقوانين ومؤسسات وليست عقلانية مجتمعات ولا عقلانية أفراد. حين تَدخُل فكرةٌ رائدة أو حقيقةٌ علمية فارقة أو تنظيمٌ اجتماعي جديد متطور إلى ثقافة أي مجتمع فإنها لا تدخل عن طريق الفهم العام وإنما تصير جزءًا من ثقافة المجتمع بواسطة الممارسة والمعايشة والتكيف والتعود.
- تجسيد الأفكار الريادية الخارقة يرتبط باتجاه حركة المجتمع فإذا كانت حركة المجتمع باتجاه الازدهار فإن الأفواج الذين تخرجهم الجامعات والمعاهد يتولون تجسيد الرؤى والأفكار الريادية التي تقبَّلها المجتمع حيث يعمل كلُّ فرد في مجال اختصاصه إن إنتاجهم يمثل القطرات التي يتكوَّن منها نهر الازدهار ولكن نفس الأفراد الذين أسهموا في تشييد الازدهار في مجتمع تتجه حركته في اتجاه النمو لو عملوا في مجتمعات متخلفة فسوف يكون عملهم محكوما باتجاه حركة المجتمع وبذلك فقد يكون إسهامهم في تكريس الواقع وليس تغييره أي في تكريس التخلف واستحكام أركانه وإغلاق منافذ الرؤية فيه.
معلومات إضافية
الأبعاد | 24 × 17 سنتيميتر |
---|